اضطراب نظم القلب هو حالة يفقد فيها القلب إيقاعه الطبيعي، سواء كان النبض أسرع من المعدل الطبيعي أو أبطأ منه أو غير منتظم، وقد تتراوح خطورته من حالات بسيطة لا تسبب أعراضاً، إلى اضطرابات مهددة للحياة مثل الرجفان البطيني. وفي بعض الحالات، يتطلب الأمر تدخلات طبية متقدمة للسيطرة على هذه الاضطرابات والوقاية من مضاعفاتها الخطيرة، ومن هذه التدخلات مزيل الرجفان القابل للزرع.
ما هو مزيل الرجفان القابل للزرع (ICD)؟
مزيل الرجفان الآلي القابل للزرع (Implantable Cardioverter Defibrillator – ICD) هو جهاز صغير يُزرع تحت الجلد لمراقبة نبضات القلب بشكل مستمر والتدخل عند حدوث اضطراب خطير في الإيقاع. يقوم الجهاز بإرسال صدمات كهربائية أو نبضات صغيرة لإعادة القلب إلى نظمه الطبيعي، ويختلف عن منظم ضربات القلب التقليدي بقدرته على علاج كلٍّ من بطء القلب وتسارعه، مما يجعله وسيلة إنقاذية فعالة في الحالات المعرضة لخطر توقف القلب المفاجئ.
أسباب اضطراب نظم القلب
في الوضع الطبيعي، يبدأ النشاط الكهربائي للقلب من عقدة صغيرة موجودة في الأذين الأيمن تُسمّى العقدة الجيبية، وهي المسؤولة عن توليد الإشارات الكهربائية التي تنتشر عبر جدران الأذينين مسببةً انقباضهما وضخ الدم إلى البطينين. تنتقل هذه الإشارات بعدها إلى العقدة الأذينية البطينية، ثم عبر حزمة هيس والألياف البركنجية، ما يؤدي لانقباض البطينين وضخ الدم إلى الجسم والرئتين. هذه العملية الدقيقة تحافظ على انتظام ضربات القلب بمعدل يتراوح غالباً بين 60 و100 نبضة في الدقيقة عند البالغين.
عند حدوث خلل في تكوين هذه الإشارة أو انتقالها أو في استجابة عضلة القلب لها، يظهر اضطراب في نظم القلب (عدم انتظام ضربات القلب)، وقد ينشأ هذا الاضطراب من أسباب متعددة، منها ما يتعلق بالقلب نفسه، مثل:
- أمراض صمامات القلب، خاصةً مع ارتفاع ضغط الدم
- تضيق أو انسداد الشرايين التاجية (مرض القلب التاجي)
- النوبات القلبية السابقة
- التهاب أو ضعف عضلة القلب
كما يمكن أن يكون السبب خارجيًا، مثل:
- الإفراط في تناول الكافيين أو الكحول أو النيكوتين
- ردود فعل نفسية شديدة قد تؤثر على سرعة النبض
- تأثير بعض الأدوية أو العقاقير
- فرط نشاط الغدة الدرقية
هذه العوامل قد تؤدي إلى بطء شديد أو تسارع مفرط في ضربات القلب، وفي بعض الحالات قد تتسبب في اضطرابات خطيرة تستدعي تدخلاً عاجلاً.
أعراض اضطراب نظم القلب
تختلف الأعراض بحسب نوع الاضطراب:
- بطء القلب (Bradycardia): يتميز بانخفاض عدد ضربات القلب عن المعدل الطبيعي، مما يقلل من كمية الدم المتدفقة إلى الجسم، خاصةً الدماغ. قد يشعر المريض بدوخة أو إغماء، إضافةً إلى تعب وضعف عام، وقد يلاحظ أيضاً ضبابية في الرؤية نتيجة نقص التروية الدموية.
- تسرع القلب البطيني (Ventricular Tachycardia): في هذه الحالة، ينبض القلب بسرعة كبيرة وبشكل غير منتظم، ما يقلل من فعالية الضخ. يشعر المريض بخفقان سريع، وضيق في التنفس، وأحياناً ألم أو ضغط في الصدر. وقد ترافق هذه الحالة دوخة أو حتى فقدان وعي إذا انخفض تدفق الدم بشكل ملحوظ.
- الرجفان البطيني (Ventricular Fibrillation): يُعد من أخطر أنواع اضطرابات النظم، حيث تتوقف قدرة القلب على ضخ الدم بشكل فعال بسبب النبضات السريعة وغير المنسقة. يؤدي ذلك إلى فقدان وعي سريع، وإذا لم يتم التدخل الفوري بالصدمات الكهربائية، قد تحدث الوفاة خلال دقائق.
تشخيص اضطراب نظم القلب
في بعض الأحيان، الأعراض والقصة المرضية للمريض والفحص السريري تؤدي بالفعل إلى الاشتباه باضطراب نظم القلب. يتم إجراء تخطيط كهربائي للقلب، والذي يظهر تغييرات نموذجية في كل حالة. يوصى أيضاً بإجراء التخطيط الكهربائي طويل المدى (24 ساعة)، بالإضافة إلى الإيكو القلبي لتقييم بنية ووظيفة القلب. في بعض الأحيان يتم استخدام طرق فحص أخرى، مثل اختبار الإجهاد أو الفحص الفيزيولوجي الكهربي للقلب (Electrophysiological Study).
علاج اضطراب نظم القلب
تعتمد الخطة العلاجية على نوع وشدة اضطراب نظم القلب، بالإضافة إلى الحالة الصحية العامة للمريض. وتشمل الخيارات العلاجية ما يلي:
- العلاج الدوائي: يُستخدم بشكل شائع في حالات اضطرابات النظم الخفيفة إلى المتوسطة، ويشمل أدوية مضادات اضطراب النظم التي تعمل على تنظيم سرعة القلب وتحسين استقراره الكهربائي، ويختلف نوع الدواء حسب نوع الاضطراب وشدته.
- الكي بالقسطرة (Ablation): هو إجراء تداخلي يهدف إلى تحديد وإتلاف مناطق معينة في القلب تسبب الإشارات الكهربائية غير المنتظمة، وذلك باستخدام طاقة كهربائية أو حرارة أو برودة. يُستخدم هذا العلاج خاصةً في حالات تسرع القلب التي لا تستجيب للأدوية.
- الصدمات الكهربائية الخارجية: تُستخدم في حالات الطوارئ مثل الرجفان البطيني أو تسرع القلب البطيني المهدد للحياة، حيث يتم توصيل صدمات كهربائية عبر صدر المريض لإعادة القلب إلى إيقاعه الطبيعي بسرعة وفعالية.
- زرع مزيل الرجفان القابل للزرع (ICD): يُعتبر خياراً علاجياً ووقائياً للحالات التي لا تستجيب للعلاجات السابقة أو التي تحمل خطورة عالية لحدوث اضطرابات نظم مهددة للحياة.
آلية عمل وأنواع مزيل الرجفان القابل للزرع (ICD)
يعمل مزيل الرجفان القابل للزرع على مراقبة ضربات القلب باستمرار والتدخل تلقائياً عند حدوث اضطرابات خطيرة في الإيقاع. ففي حالة بطء القلب، يرسل الجهاز نبضات كهربائية صغيرة لتحفيز عضلة القلب وضمان استمرار الضربات بشكل منتظم. أما عند حدوث تسارع مفرط أو غير منظم للنبض، يقوم الجهاز بإعطاء صدمات كهربائية أقوى تعيد القلب إلى نظم طبيعي سريعاً. يمكن برمجة الجهاز حسب حالة المريض واحتياجاته الخاصة، ويعمل بواسطة بطارية طويلة العمر تضمن استمرارية عمله لسنوات.
هناك عدة أنواع من أجهزة ICD، تختلف بحسب عدد غرف القلب التي يغطيها الجهاز:
- أحادي الغرفة: يحتوي على قطب كهربائي واحد يُزرع في البطين الأيمن، مناسب لبعض الحالات التي تتطلب تنظيم نبضات البطين فقط.
- ثنائي الغرفة: يحتوي على قطبين كهربائيين، أحدهما في الأذين الأيمن والآخر في البطين الأيمن، مما يسمح بتنظيم تزامن انقباض الأذينين والبطينين لتحسين فعالية ضخ الدم.
- مزيل الرجفان تحت الجلد (S-ICD): يُزرع تحت الجلد دون الحاجة لإدخال أقطاب داخل القلب، وهو خيار أقل توغلاً لبعض المرضى الذين لا يحتاجون لتنظيم نظم القلب الداخلي.

جراحة زرع مزيل الرجفان القابل للزرع
تبدأ عملية زرع مزيل الرجفان القابل للزرع عادةً بعد تحضير المريض وفحص حالته العامة، حيث يتم مراجعة الأدوية التي يتناولها، خاصة تلك التي تؤثر على تخثر الدم مثل الأسبيرين أو الماريفان، وقد يُطلب التوقف عنها لفترة قصيرة لتقليل مخاطر النزيف أثناء الجراحة. يجري الفريق الطبي فحوصاً مخبرية للتأكد من سلامة المريض واستعداده للعملية.
يتم في الغالب استخدام تخدير موضعي في منطقة تحت عظمة الترقوة، مع إعطاء المريض مهدئات عن طريق الوريد لمساعدته على الاسترخاء وتقليل القلق. في حالات نادرة قد يتم اللجوء للتخدير العام، خاصةً إذا استدعت الحالة ذلك.
يقوم الجراح بعمل شق صغير في الجلد تحت عظمة الترقوة، ومن ثم يتم إنشاء جيب جلدي صغير لوضع الجهاز بداخله بحيث يكون محمياً ومثبتاً بشكل آمن تحت الجلد. بعد ذلك، تُدخل الأقطاب الكهربائية عبر الوريد تحت الترقوة باستخدام تقنية القسطرة، ويتم توجيهها بعناية نحو القلب تحت إشراف الأشعة السينية (التنظير الفلوري). يُثبت قطب في البطين الأيمن، وإذا كان الجهاز من نوع ثنائي الغرف، يُضاف قطب آخر في الأذين الأيمن، لضمان مراقبة وتنظيم ضربات القلب بشكل فعال.

عند الانتهاء من تثبيت الأقطاب، يتم توصيلها بجهاز مزيل الرجفان الموجود داخل الجيب الجلدي، ثم يُجري الفريق الطبي اختباراً لعمل الجهاز عن طريق تحفيز اضطراب مؤقت في نظم القلب، للتأكد من أن الجهاز قادر على كشف الإشارات الكهربائية غير الطبيعية وإعطاء الصدمات الكهربائية اللازمة لإعادة الإيقاع الطبيعي. بعد التحقق من الأداء الصحيح للجهاز، يُغلق الشق الجراحي بخياطة دقيقة، ويُبرمج الجهاز حسب احتياجات المريض الخاصة، مما يسمح له بمراقبة نظم القلب تلقائياً والتدخل عند الحاجة بشكل مناسب وفعال.
مضاعفات زرع مزيل الرجفان القابل للزرع
رغم أن عملية زرع مزيل الرجفان القابل للزرع تُعد آمنة في معظم الحالات، إلا أنها قد تترافق مع بعض المضاعفات. قد يحدث نزيف أو تورم في موقع الزرع، أو إصابة للأعصاب القريبة مما قد يسبب خدر أو ضعف مؤقت. هناك أيضاً احتمال لإصابة عضلة القلب أو الأوعية الدموية أثناء إدخال الأقطاب، أو دخول الهواء إلى الفراغ المحيط بالرئة (استرواح الصدر)، وكذلك تراكم السوائل حول القلب فيما يعرف بانصباب التامور، وهو ما قد يؤثر مؤقتاً على وظيفته.
من المضاعفات الأخرى احتمال حدوث التهاب في منطقة الجهاز أو حول الأقطاب، وقد يستدعي الأمر مضادات حيوية أو في حالات نادرة إزالة الجهاز، كذلك يمكن أن تتشكل جلطات دموية في الأوردة التي دخلت منها الأقطاب، أو تظهر مشاكل تقنية مثل إزاحة الأقطاب أو خلل في عمل الجهاز. رغم هذه الاحتمالات، فإن فوائد الجهاز في الوقاية من اضطرابات نظم القلب المهددة للحياة تفوق بشكل واضح مخاطر حدوث هذه المضاعفات.
التعليمات بعد العملية
في اليوم الأول بعد تركيب مزيل الرجفان القابل للزرع، يبقى المريض تحت المراقبة الدقيقة في المستشفى للتأكد من عمل الجهاز بالشكل الصحيح ومتابعة تعافي القلب. يتم خلال هذه الفترة فحص النبض ونشاط الجهاز، ورعاية منطقة الجرح لمنع أي عدوى. يُنصح المريض بالراحة وتجنب الحركات العنيفة، خصوصاً في الذراع الموجودة على نفس جانب الجهاز، والابتعاد عن رفع الأوزان أو القيام بمجهود بدني كبير.
مع التقدم في الأيام الأولى، يُستكمل تقييم الجهاز وضبط إعداداته بما يتناسب مع حالة المريض، ويُعطى تعليمات واضحة قبل الخروج من المستشفى حول الأنشطة المسموحة والمحظورة مؤقتاً، مثل الامتناع عن قيادة السيارة وتوخي الحذر عند السباحة أو القيام بأنشطة قد تسبب خطراً في حال حدوث إغماء مفاجئ.

الحياة مع مزيل الرجفان القابل للزرع
بعد اجتياز فترة التعافي الأولية، يمكن للمريض العودة إلى حياته اليومية مع الالتزام ببعض الاحتياطات. يجب الابتعاد عن مصادر المجالات المغناطيسية أو الكهربائية القوية، مثل أنظمة الجهد العالي، والمحركات الكهربائية الكبيرة، وأجهزة التحفيز الكهربائي، إلا إذا كان الجهاز مصمماً لتحملها. كما قد يكون التصوير بالرنين المغناطيسي غير آمن إلا إذا كان الجهاز متوافقاً معه.
من المهم إجراء فحوصات دورية للجهاز ووظيفة القلب، حيث قد يلزم ضبط الإعدادات أو استبدال البطارية بعد خمس إلى عشر سنوات. عند ظهور أي أعراض غير معتادة مثل الدوخة الشديدة، أو الصدمات المتكررة من الجهاز، أو تغير موضعه، يجب مراجعة الطبيب فوراً. الالتزام بهذه التعليمات يساعد المريض على التكيف مع الجهاز والتمتع بحياة طبيعية ونشطة.
في الختام، يُعد مزيل الرجفان القابل للزرع حلاً طبياً مهماً لمن يعانون من اضطرابات نظم القلب الخطيرة، حيث يساعد في تنظيم ضربات القلب والحفاظ على الحياة. النجاح في استخدام هذا الجهاز يعتمد على الالتزام بتعليمات الطبيب والمتابعة الدورية، بالإضافة إلى التكيف مع التغيرات التي قد تحدث بعد الزرع، ومع العناية اللازمة يمكن للمريض أن يعيش حياة طبيعية ونشطة إلى حد كبير، مستفيداً من التكنولوجيا الحديثة لتحسين جودة حياته.
المصادر:
- American Heart Association. (n.d.). Implantable cardioverter defibrillator (ICD).
- British Heart Foundation. (2025, May 6). Implantable cardioverter defibrillator (ICD).