تُعتبر عملية أطفال الأنابيب من أبرز تقنيات الإخصاب الحديثة المستخدمة في علاج العقم، حيث ساعدت على تحسين معدلات الحمل لدى الأزواج الذين يواجهون صعوبات في الإنجاب لأسباب متعددة. مع التطور المستمر في الطب الإنجابي، باتت هذه العملية خيارًا أساسياً في بروتوكولات علاج العقم حول العالم.
شهدت تركيا خلال العقدين الأخيرين تقدمًا ملحوظًا في مجال الإخصاب المخبري بفضل الخبرات الطبية الواسعة والتجهيزات المتطورة، مما جعلها من الدول الرائدة في هذا التخصص، سواء من حيث نسب النجاح أو انخفاض التكاليف مقارنةً بالدول الأوروبية.
ما هي عملية أطفال الأنابيب؟
عملية أطفال الأنابيب أو ما يُعرف بالإخصاب المخبري هي إحدى التقنيات المساعدة على الإنجاب التي يتم فيها الجمع بين البويضة والحيوان المنوي خارج جسم المرأة ضمن بيئة مخبرية مهيأة لحدوث الإخصاب، وبعد تكوّن الجنين في المختبر يُعاد إلى الرحم ليتابع نموه الطبيعي حتى الولادة.
تُعد هذه التقنية مختلفة عن التلقيح داخل الرحم، إذ يتم في التلقيح داخل الرحم إدخال الحيوانات المنوية مباشرة إلى تجويف الرحم لتلقّح البويضة طبيعيًا داخل الجسم، بينما في عملية أطفال الأنابيب يحدث الإخصاب بشكل كامل خارج الرحم قبل إعادة الجنين.
أُجري أول نجاح موثّق لعملية أطفال الأنابيب عام 1978 في المملكة المتحدة، مما شكل نقطة انطلاق لعصر جديد في علاج العقم، ومنذ ذلك الحين تطورت الأساليب المخبرية وأجهزة الإخصاب بشكل متسارع، فأصبحت هذه العملية اليوم جزءاً أساسياً من الممارسات الطبية المعيارية في مراكز علاج العقم حول العالم.
متى يتم اللجوء إلى عملية أطفال الأنابيب؟
يُنصح باللجوء إلى عملية أطفال الأنابيب عندما تفشل الطرق الطبيعية أو العلاجات الدوائية في تحقيق الحمل بعد مرور عام من المحاولات المنتظمة دون استخدام وسائل منع الحمل. تُعد هذه العملية خيارًا علاجيًا فعّالًا في مجموعة من الحالات التي تعيق حدوث الإخصاب الطبيعي، ومن أهمها:
- ضعف الخصوبة لدى النساء بعد سن الأربعين
- انسداد أو تلف قناتي فالوب
- الانتباذ البطاني الرحمي
- ضعف نوعية أو حركة الحيوانات المنوية لدى الرجال
- فشل التلقيح داخل الرحم في محاولات سابقة
- وجود أجسام مضادة في عنق الرحم تؤثر في حركة النطاف
- العقم غير المفسر رغم سلامة الفحوصات لدى الزوجين
- رغبة بعض الأزواج في تجنّب نقل أمراض وراثية معروفة بالعائلة، من خلال فحص الأجنة وراثياً قبل الزرع
- الحالات التي خضع فيها أحد الزوجين لربط البوقين أو الأسهرين
يُوصى دائماً بمناقشة الخيارات العلاجية مع الطبيب المختص قبل اتخاذ القرار، إذ تختلف الخطة المثلى من حالة لأخرى بحسب عمر المرأة، وعدد البويضات المتاحة، والعوامل الهرمونية والوراثية.
التحضير قبل عملية أطفال الأنابيب
قبل البدء بعملية أطفال الأنابيب، يخضع كل من الزوجين لسلسلة من الفحوصات تهدف إلى تقييم الحالة الصحية العامة وتحديد الطريقة المثلى للعلاج. يُركّز هذا التحضير على ثلاثة محاور رئيسية:
تقييم خصوبة المرأة
يُطلب إجراء فحوص هرمونية لقياس مستوى الهرمون المنبه للجريب FSH والهرمون المضاد لمولر AMH، وهما مؤشّران على احتياطي المبيض من البويضات وجودتها، كما يُجرى فحص بالموجات فوق الصوتية (الإيكو) لتقييم المبيضين وبطانة الرحم، وقد يُستخدم تنظير الرحم في بعض الحالات للتأكد من سلامة تجويف الرحم قبل الزرع.
تقييم خصوبة الرجل
يُطلب تحليل السائل المنوي لتحديد عدد الحيوانات المنوية وحركتها وشكلها، إذ تُعدّ هذه المؤشرات أساسية في تحديد الطريقة الأنسب للإخصاب. في حال أظهرت النتائج ضعفاً في عدد النطاف أو في حركتها، فقد يُوصي الطبيب باستخدام تقنية الحقن المجهري، وهي أسلوب متطور من تقنيات الإخصاب المخبري يُحقن فيه حيوان منوي واحد مباشرة داخل البويضة باستخدام إبرة دقيقة تحت المجهر، ويُعدّ خياراً فعّالاً في الحالات التي لا يكون فيها الإخصاب التلقائي بطريقة أطفال الأنابيب التقليدية كافياً لتحقيق الحمل.
الفحوص العامة والتحاليل المرافقة
يُجرى للطرفين فحص للأمراض المنتقلة بالجنس، إضافة إلى اختبارات الدم الأساسية للكشف عن أمراض قد تؤثر في سلامة الحمل، مثل التهاب الكبد أو فقر الدم أو اضطرابات الغدة الدرقية. تساعد نتائج هذه الفحوص على وضع خطة علاجية دقيقة لتحديد الأدوية الهرمونية المناسبة لتحفيز المبيض قبل بدء عملية أطفال الأنابيب.
خطوات عملية أطفال الأنابيب
تُجرى عملية أطفال الأنابيب عبر سلسلة من المراحل الدقيقة التي تتطلّب إشرافاً طبياً ومخبرياً متقدماً، ويستغرق تنفيذها عادة من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. يمكن تلخيص الخطوات الأساسية للعملية كما يلي:
التحفيز الهرموني
تُعطى المريضة أدوية هرمونية تحفّز المبيضين على إنتاج عدد من البويضات الناضجة بدلاً من بويضة واحدة فقط كما في الدورة الطبيعية. خلال هذه المرحلة تُراقَب الاستجابة الهرمونية عن طريق الفحوص الدموية والتصوير بالأمواج فوق الصوتية (الإيكو) لضبط جرعات الدواء ومنع حدوث فرط في تنشيط المبيض، وعندما تصل البويضات إلى الحجم المطلوب تُعطى حقنة نهائية تحتوي على هرمون HCG أو LH لتحفيز نضجها الكامل قبل السحب.
سحب البويضات (استرجاع البويضات)
بعد 34 إلى 36 ساعة من الحقنة الأخيرة، تُسحب البويضات من المبيض بإبرة دقيقة موجهة بالأمواج فوق الصوتية عبر المهبل، حيث يُجرى هذا الإجراء تحت التخدير الموضعي أو العام حسب الحاجة، ويُعدّ آمناً وسريعاً. يتم جمع البويضات ووضعها في أوساط غذائية خاصة داخل حاضنة بدرجة حرارة تحاكي البيئة الطبيعية للجسم.

تحضير الحيوانات المنوية
في الوقت ذاته من سحب البويضات، تُحضّر عينة من السائل المنوي لفصل الحيوانات المنوية النشطة والسليمة عن غيرها باستخدام تقنيات مخبرية دقيقة، لتُستخدم مباشرة في عملية الإخصاب.
إخصاب البويضات
تُضاف الحيوانات المنوية إلى البويضات في طبق خاص داخل المخبر ليحدث الإخصاب بشكل طبيعي، أو تُستخدم تقنية الحقن المجهري عند الحاجة، حيث تُحقن نطفة واحدة مباشرة داخل البويضة. تُتابع البويضات المخصّبة تحت المجهر يومياً لمراقبة انقسامها وتطورها إلى جنين سليم.
مراقبة تطوّر الأجنة
يستمر نمو الأجنة داخل الحاضنة لمدة خمسة إلى ستة أيام حتى تصل إلى مرحلة الكيسة الأرومية، وهي المرحلة الأنسب للنقل إلى الرحم. خلال هذه الفترة يمكن إجراء فحص جيني للأجنة للكشف عن أي اضطرابات وراثية أو صبغية قبل الزرع، ويُحتفظ فقط بالأجنة السليمة.
نقل الأجنة
يُجرى النقل عادة بين اليومين الخامس والسادس بعد سحب البويضات. يُدخل الطبيب قسطرة رفيعة عبر المهبل إلى داخل الرحم لزرع جنين واحد أو أكثر بحسب تقييم الحالة. الإجراء غير مؤلم ولا يحتاج إلى تخدير، وتُعطى المريضة بعدها أدوية هرمونية تساعد على تثبيت بطانة الرحم وتهيئتها لاحتضان الجنين.

اختبار الحمل
بعد مرور نحو 10 إلى 14 يوماً من نقل الأجنة، يُجرى اختبار دم لقياس مستوى هرمون الحمل (HCG) لتأكيد نجاح العملية.

ما بعد نقل الأجنة: العلامات والأعراض والنصائح
بعد إتمام عملية أطفال الأنابيب ونقل الأجنة إلى الرحم، تبدأ مرحلة الانتظار التي تُعدّ من أهم المراحل في نجاح العلاج. خلال هذه الفترة قد تلاحظ المرأة بعض التغيرات الطبيعية في الجسم نتيجة الأدوية الهرمونية أو انغراس الجنين في بطانة الرحم.
الأعراض الشائعة بعد نقل الأجنة
قد تلاحظ المرأة ظهور بعض العلامات التي لا تعني بالضرورة نجاح العملية أو فشلها، ومن أكثرها شيوعاً:
- شعور عام بالتعب أو الخمول
- انتفاخ خفيف أو تقلصات أسفل البطن
- تقلبات في المزاج أو الشعور بالنعاس الزائد
- تغيرات في الشهية أو الإحساس بالغثيان بدرجات متفاوتة
- احتقان وألم بسيط في الثديين نتيجة ارتفاع هرمون الإستروجين
- نزول قطرات دم بسيطة في الأيام الأولى، وقد تكون علامة على انغراس الجنين في بطانة الرحم
يُنصح بعدم الاعتماد على الأعراض فقط لتأكيد حدوث الحمل، إذ إن التأكيد النهائي يتم عبر تحليل الدم لهرمون الحمل (HCG) بعد مرور نحو 10 إلى 14 يوماً من نقل الأجنة.
نصائح ما بعد نقل الأجنة
لزيادة فرص انغراس الجنين ونجاح عملية أطفال الأنابيب، يُنصح باتباع الإرشادات التالية:
- الامتناع عن التدخين والكافيين الزائد
- تجنّب المجهود البدني العنيف أو حمل الأوزان الثقيلة
- الالتزام بالأدوية التي يصفها الطبيب في مواعيدها بدقة
- الحفاظ على الراحة النسبية دون لزوم البقاء في الفراش طوال الوقت
- الحفاظ على نمط غذائي متوازن غني بالبروتين والخضروات الطازجة
- مراجعة الطبيب فوراً في حال حدوث نزيف غزير أو ألم شديد في البطن
نسبة نجاح عملية أطفال الأنابيب والعوامل المؤثرة عليها
تختلف نسبة نجاح عملية أطفال الأنابيب من حالة لأخرى تبعاً لعوامل متعددة أهمها عمر المرأة وجودة الأجنة، كما تلعب التقنيات المستخدمة وخبرة الفريق الطبي دوراً أساسياً في رفع فرص النجاح. فيما يلي متوسط نسب النجاح التقريبية وفقاً لعمر المرأة:
- النساء تحت سن 35 عاماً: 32%
- بين 35 و37 عاماً: 25%
- بين 38 و39 عاماً: 19%
- بين 40 و42 عاماً: 11%
- بين 43 و44 عاماً: 5%
- فوق 44 عاماً: 4%
تُعدّ هذه الأرقام تقديرية وقد تختلف باختلاف الحالة الصحية والعوامل الفردية لكل سيدة. كما يمكن أن تتحسن النتائج عند استخدام تقنيات إضافية مثل فحص الأجنة الوراثي أو الحقن المجهري التي تُساعد في اختيار أجنة أكثر جودة قبل الزرع.
عوامل تؤثر على نجاح عملية أطفال الأنابيب
تعتمد نتائج عملية أطفال الأنابيب على مجموعة من العوامل البيولوجية والبيئية التي قد تزيد أو تقلل من فرص نجاح الإخصاب وانغراس الجنين، ومن أبرز هذه العوامل ما يلي:
- عمر المرأة: كلما قلّ العمر، زادت جودة البويضات وفرص الانغراس.
- احتياطي المبيض: يقاس عادة بمستوى هرمون AMH وهو مؤشر على عدد البويضات المتاحة.
- جودة الأجنة المنقولة: تعتمد على درجة تطورها وسلامتها الوراثية.
- صحة بطانة الرحم: تؤثر بشكل مباشر في قدرة الجنين على الانغراس.
- الوزن ونمط الحياة: السمنة والتدخين يقللان فرص النجاح.
- خبرة الفريق الطبي والمخبري: وهي من أهم العوامل التي تفسّر تفوّق المراكز المتخصصة في تركيا.
مخاطر ومضاعفات عملية أطفال الأنابيب
رغم أن عملية أطفال الأنابيب تُعدّ إجراءً آمناً بشكل عام عند إجرائها في مراكز متخصصة وتحت إشراف طبي دقيق، إلا أنه قد ترافقها بعض المضاعفات المحتملة كما في أي إجراء طبي آخر. معظم هذه المضاعفات بسيطة ومؤقتة، ونادراً ما تؤدي إلى مشاكل خطيرة. من أبرزها:
- الآثار الجانبية للأدوية الهرمونية: مثل الانتفاخ، وتقلب المزاج، والصداع نتيجة التغيرات الهرمونية أثناء مرحلة التحفيز
- الحمل خارج الرحم: يمكن أن يحدث في حالات نادرة عندما تنغرس البويضة المخصبة في قناة فالوب بدلاً من الرحم.
- الحمل المتعدد (التوائم): يزداد احتمال حدوثه عند نقل أكثر من جنين، مما يرفع خطر الولادة المبكرة أو انخفاض وزن المواليد.
- متلازمة فرط تنبيه المبيض: وهي استجابة مفرطة للمبيض تجاه الأدوية المنشطة، وقد تُسبب احتباس السوائل وألماً في البطن وتحتاج إلى مراقبة دقيقة.
- النزيف أو العدوى بعد سحب البويضات: مضاعفات نادرة تحدث أثناء الإجراء أو بعده، وغالباً ما تُعالج بسهولة.
- الضغوط النفسية: قد تؤثر تجربة العلاج الطويلة والانتظار على الحالة العاطفية للزوجين، لذا يُنصح بالدعم النفسي خلال المراحل المختلفة.
يقل خطر حدوث هذه المضاعفات بشكلٍ كبير عند إجراء العملية في مراكز ذات كادر متخصص وخبرة واسعة، حيث تُراقَب المريضة بدقة في جميع المراحل لضمان أعلى درجات الأمان والنجاح.
تكلفة أطفال الأنابيب في تركيا
تُعدّ عملية أطفال الأنابيب في تركيا من أكثر الإجراءات انتشاراً في مجال علاج العقم بفضل نتائجها الممتازة وتكاليفها التنافسية مقارنة بالدول الأوروبية. تتراوح تكلفة العملية في المراكز التركية بين 2,500 و4,000 دولار أمريكي في المتوسط، ويعتمد السعر النهائي على عدة عوامل منها:
- عدد المحاولات المطلوبة للإخصاب
- نوع الأدوية الهرمونية المستخدمة
- الفحوص التشخيصية التي تسبق العملية وخبرة الفريق الطبي
- الحاجة إلى تقنيات إضافية مثل الحقن المجهري أو فحص الأجنة الوراثي
تتميز تركيا بامتلاكها مراكز متخصصة عالية التجهيز تعتمد أحدث التقنيات في المختبرات الهرمونية والوراثية، وتخضع لرقابة صحية صارمة تضمن جودة الرعاية وارتفاع نسب النجاح. كما توفر المراكز الرائدة، مثل مركز بيمارستان الطبي، متابعة دقيقة قبل وبعد العملية مع إمكانية التواصل المستمر مع الأطباء لضمان أفضل النتائج.
في الختام، تُعدّ عملية أطفال الأنابيب خطوة متقدمة في علاج العقم، أثبتت فعاليتها في مساعدة الكثير من الأزواج على تحقيق الحمل بعد فشل الطرق التقليدية، ومع استمرار تطور تقنيات الإخصاب أصبحت هذه العملية أكثر دقة وأماناً، مما يعزز فرص النجاح ويمنح الأمل لمن يواجهون صعوبات في الإنجاب.
المصادر:
- UpToDate. (n.d.). In vitro fertilization: Procedure.
- American Pregnancy Association. (n.d.). IVF – In vitro fertilization.